محمد أحمد طنطاوى

مشارف الأربعين...

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023 10:38 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"تعلم من الخطأ ولا تكرره أبدا، فمن يكرر أخطاءه لن يتعلم"، ربما هذه حكمة ماقبل الأربعين، أنقلها لنفسي وأضعها حلقة في أذني لعلي أتعلم، حتى وإن كان الثمن غاليا، فما أثمن من أن تعلمك الحياة.. 
 
اعتدت ألا أتعلق بالعشم، حتى وإن وجدته لدى أقرب الناس، فقد كان حكيما يهمس في أذني منذ كنت صغيرا: "النفس أبدى من الصاحب، فلا تربط نفسك بمصير أحد، وتذكر دائماً أن كل عطاء يتبعه ثمن"، لذلك صرت لا أنتظر شيئا من أحد، ولا أعلق الغد على عمل اليوم، وأعيش يوما بيوم، فهذا علاج القلق لمن أراد الدواء.. 
 
أجري وانكفئ، أتعثر.. ثم أنهض من جديد.. هكذا تعودت الطريق دائماً، منح ومحن وعطايا كلها من الله، لا يفلح معها سوى الشكر ثم الحمد، وقبلهما الرضا.
 
لا أكره أحدا، ولا أخطط لعداوة، يكفيني التلامس مع الأحباء، كما تفعل "القنافذ" في ليالي الشتاء الباردة، لكي تنعم بدفء دون ألم، وتستشعر السكينة التي تخلقها روح الجماعة ورفقة الأصدقاء. 
 
يمر الزمان ويتحرك قطار الحياة، فندرك حينها أن العمر ما كان إلا ساحرا ماهرا، يخطف أنظارنا، بل يسرقها، فلا نعلم أن السنون مرت، والأيام انقضت، ولا نفطن إلى ملامحنا التي تغيرت، والتجاعيد التي صنعتها عوامل الزمن.. 
 
لن ترى في المرآة نفسك إلا كما اعتدتها، طفلا وشابا، ربما عجوزا، وتظن دائماً أنك لا تتغير، فلا تشعر بمرور الزمن، حتى وإن تسللت خيوط الشيب إلى رأسك، وصرت "عمو"، في رواية بعض الصبية والمراهقين.. 
 
الكل يرقب تغيراتك وتطوراتك إلا أنت، وإذا أردت أن تعرف حقيقة ما صار لك، ارجع إلى ألبومك القديم، وبيتك القديم، وأوراقك القديمة، وأصدقاء الطفولة والشباب، وستدرك حينها أن العمر يهرول ولا يلتفت لأحد.. 
 
روائح الماضي مازالت تطاردني.. الدقيق الساخن أثناء خروجه من ماكينة الطحين، في القرية الصغيرة، والصحبة الدافئة مع المعلم الأول " أبي"، والطريق التي كنا نسلكها ونعرف كل تفاصيلها ومعالمها، ونحن على ظهور الحمير، نبطئ تارة، ونسرع أخرى، وصوت أبي يقول "اسند نفسك"، بلهجة أبناء شمال الصعيد في بنى سويف، أي احفظ اتزانك، حتى لا تسقط "الزكائب" - جوالات الدقيق - على الأرض، فيفسد العمل.. 
 
مازلت أحب رائحة التراب الذي يبلله الماء عند رش الأرض في أيام الصيف الحارة، أستقبلها بأنفي وكأنها هدية الطبيعة التي تتجلى فيها معنى الآية الكريمة "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى".
 
مازلت أتذكر "الرُطب الطازج"، طعام مريم البتول، الذي ألتقطه في الصباح الباكر بعدما تنقره الطيور من أعلى النخل الشاهق، في حقلنا القريب من المنزل، وقد كنت حينها دون السادسة، أفرح بما أجمعه، وكأني أحمل جرة مملوءة بالذهب.. 
 
في الماضي القريب، كنت أرى الصورة بأبعاد محدودة، وقد كانت الثنائية حاضرة دائماً، خيرا أو شرا، يمينا أو شمالا، صدقا أو كذبا، لكن مع الوقت والرحلة، وتعرجات الطريق، ظهرت مساحات كبيرة بين القطبين، ليست صحيحة تماما، أو خاطئة كليا، لكنها صيغة توفيقية، تضمن مساحات لأنصاف وأرباع الحلول، ومواءمات تخلقها الأقدار لتعطينا العبرة والعظة. 
 
 كل ما يغضبني أتخلى عنه بلا ثمن، فهذه حكمة ما علمني إياها إلا المرض، فلا يوجد ما يستحق أن تجف له شفتاي، أو ينبض له قلبي سريعاً، وترتعش معه أطرافي، ليصعد ضغط الدم، وتتعثر أنفاسي، لذلك ما أفضل من التخلي عن صراعات البلهاء، واستفزاز من يثيرون المشكلات.. 
 
بعد كل هذه السنوات والتجارب قد يحاول كل منا أن يضع معناه الحقيقي للسعادة، وقد حاولت واجتهدت بعيداً عن كل الكلاسيكيات التي تعلمناها ونتعلمها، اختصارا في المال والبنون، وكل ما هو زينة للحياة الدنيا، لأجد أن السعادة في نوم هادئ، خال من التفكير والقلق في اليوم أو الغد، فذلك أبقى وأنفع، وخير ثوابا وخير أملا، فتلك الساعات المقتطعة من العمر بلا شقاء، بلا تعب، بلا كذب، يتساوى فيها الجميع حريرا أو حصيرا، وعندما يغلبهم النوم، الحالة واحدة، والنتيجة واحدة.. 
 
في عام مضى، كل شيء كان سهلا ممكنا، إلا القلم.. جاء عصيا عنيدا، يرفض ويناور، ويتملص، لذلك أتمنى أن يصالحني في عامي الجديد، يمتعني ويسعدني كما عودني دائما..
 
 بعد اختبارات عديدة مع المرض، نجحت فيها بفضل ربي، وجدت الصحة أهم نعمة على الإطلاق، فلا متاع بدونها، ومهما بلغت علما أو مالا أو سلطانا، لن يشعر بمرضك وألمك سواك، لذلك أحاول المحافظة على صحتي، واعطها أولوية، قبل كل شيء، وهذه نصيحة غالية لكل من أراد أن يتعلم..
 
في عام مضى، كان "الدايت" أقرب الطرق لشفاء قلبي، والتصالح مع الضغط والكوليسترول، فنجحت أن أخسر ١٢ كيلو جراما من وزني، واستعدت بعضا من نحافة الصبا، التي أثبتت الأيام أنها الجزء الأكبر من عافية البدن، وسلامة الجسد.. 
 
كل التمنيات من الله بعام جديد سعيد، مملوء بحب الله، حب الأسرة، حب الأصدقاء، حب العمل، حب الناس.
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة