خالد دومة يكتب: الغيرة القاتلة

الأربعاء، 19 يوليو 2023 12:00 م
خالد دومة يكتب: الغيرة القاتلة خالد دومة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إن الغيرة تعكر صفو القلب، وتجعل منه خزان وقود، قابل للاشتعال، ربما يحرق ويدمر في أي لحظة، ولعلها إن وجدت نفس ضعيفة، استحكمت وقامت على أضعف الأسباب، وظنت من الأشباح حقائق، ورأت ما غفلت عنه العيون، أو رأته شيء غيرعادي، نصيبها في القلب إن عَظُم، قد يواري العقل عن الرؤية هو الأخر، فيُخطأ ويقع فريسة الهواجس والظنون، وتنقلب حياة المرء بفعل الغيرة، إلى مستنقع من الطين، ينغرس فيه، إن شدة الحب، قد تجعل من الغيرة حزام ناسف، تفتك به، وبكل شيء، وأول ما تفتك به هم أصحابها. الغيرة العمياء، إذا صادفت عاشقا استبدت به، وحركته كيفما يتراء لها، إنها تشعل فتيل الأعصاب والخلايا، لتنتشر في الجسد، تطحن كالرحى الحب، وتدق فوق رأسه بمطرقة حديدية، تسويه بتراب الأرض، ولو أن رغبة الحب الجامح هدأت، وخفت أوارها، لما فعلت الغيرة فعلها في جسده المذبوح، وروحه المأسورة، وخلاياه المسكونة بحبه، إنها لا تخلو من جحيم في النفس، لا يعرف هدوء، ولا يسكن لها طرف، وتشق أوارها، ولا تعرف لها حدا، إن غيرة الحب الشديد، جحيم لا يطارق، تزلزل النفس.

وكلما كان الحب ضاربا في جذور النفس، أخذ منها قسطا عظيما، واهبا إياه الثقة العظيمة، فإذا طرقت أبوابه الغيرة، هدمت روحه، وبددت أركانه، إن شبهة بسيطة، تعكر صفو النهر الرائق، وتطلي الحياة بلون أسود، في عين من يحب، فلا يرى سوى الأشباح تتراء، والقلق ماثل أمامه يناديه، ولا معنى للحياة، إنها أشياء فوق طاقة اللحم والدم، إنه التردد، الذي يمزق النفس البشرية، ولا يُريحها ولا يقطع فيه بيقين، إنما هي الألآم، التي لا نهاية لها، فلا يقين هناك يشفي، ولا نهاية لما في القلب من أرق، كأنها رأس تستقبل الضربات، من جهتين قويتين، تؤلم ولا تميت، إنه جنون أرث وفير من الخبل.

إنهم يقولون أن مرآة الحب لا تبصر، فهي عمياء، في دروب تسلُكها للمرة الأولى، فهي تتخبط، كأنها مخمورة، ولا هداية تُعينها على إجتياز الطريق، وإن كانت هناك هداية فلا نفع، إذ لا رؤية تبصر بها، وإن شئت قل: إن مرآة الغيرة، ثاقبة النظر، حادة الرؤية، تبصر أدق التفاصيل، وإن لها ألف عين، وإنها تبصر بكل جارحة، وبكل خلجة من خلجات الإنسان، تبصر بالقلب والمشاعر والروح، تبصر ما يراه، وما لا يراه الأخرون، تبصر على القرب، وعلى البعد، تبصر ما ظهر من أمر الحبيب وما خفي منه، وإنها تشعر به، من أقل لفته، ومن أدق تغيير، يطرأ عليه، إنها تبصر بميكرسكوب عالي الجودة والدقة، تراه ماثلا أمامها صرح كبير، لا شك فيه، وإنها تراه حقيقة، رغم إن غيرها لا يرى شيء، ويخيل إليه أن ما تقول، أمر لا وجود له، وأنه خبال، ولكنها في نفس من يشعر بها في نهاية الأمر، ألم يمحق الروح، ويتوغل فيها؛ ليسلبها حياة الدعة والطمأنينة، لتعيش أيامها ولياليها في لظى لا ينقطع، وسعير أبدي.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة