هيثم الحاج على

أحمد مرسى حارس الأصول المصرية

الخميس، 20 يوليو 2023 11:50 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يكن الدكتور أحمد مرسي مجرد أستاذ جامعي تخصص في اللغة العربية وآدابها، ثم اتجه بعد ذلك لدراسة الأدب الشعبي المصري، ومنه لدراسة التراث المصري عموما، بل كان الحارس الأمين على هذا التراث، وأحد أبناء الجيل الثاني من المتخصصين في هذا المجال الذي اعتبره كثيرون من زملائه أقل شأنا في وقته، وقد تتلمذ على يد العظيم عبد الحميد يونس، ولم يكتف بمجرد الدراسة النظرية، لكنه اتجه بكل قواه للتطبيق فأسهم في إنشاء الجمعية المصرية للتراث، التي كانت حصنا منيعا للوقوف أمام كل محاولات التخلي عن هذا التراث المصري، أو بيعه.

كان أحمد مرسي معتزا بمصريته إلى أبعد حد ممكن، فلاح من شمال الدلتا عجن نفسه بطمي هذه الأرض وملحها، وذهب بهما إلى الحد الأبعد، فشارك في صياغة معاهدة اليونســكو لصــون التــراث الثقافــي غيــر المادي لسنة 2003، وكان منافحا عن الرؤية المصرية في إعداد هذه المعاهدة، وفي تطبيقها فيما بعد، محافظا على العناصر المصرية والتراث المصري، وأسهم عبر رئاسته للجمعية المصرية للتراث في إعداد ملفات تسجيل عناصر مثل السيرة الهلالية والتحطيب والأراجوز وغيرها، بل لا نغالي إذا قلنا إنه بعد وفاته مازال يسهم فيما يستجد من ملفات تحافظ على عناصر مصر التراثية وحقوقها.

لم يقف  د أحمد مرسي عند هذا الحد الذي استحق معه العديد من الجوائز والأوسمة التي نالها من مصر مثل جائزة النيل في الآداب، وخارج مصر مثل وسام الفنون الإسباني، بل زاد على ذلك أنه كان دائما الإنسان الحقيقي الذي استحب العطاء، حتى لمن أنكروا عطاءه، واستمرأ الوفاء لكل أساتذته، فلم أره يوما – وقد اقتربت منه في سنواته الأخيرة – مغتابا ولا مهاجما ولا ناكرا لجميل، لكنه كان دائما ما يصف روح التسامح والود والوفاء بأنها من أهم (الأصول المصرية)، وأن المصريين أبناء أصول يراعونها دوما، وأن هذه الأصول هي الجزء الأهم في التراث المصري، وفي الهوية المصرية، بل كان يزيد أنها الضامن لبقاء هذه الهوية صلبة أمام محاولات تغييرها أو مسخها.

كثيرة هي حكاياته وذكرياته التي تمنيت عليه أن يدونها، وكثيرة أيضا تلك اللحظات المبهجة التي بثها في مجالسيه وقارئيه عندما كان يتحدث إليهم، مباشرة أو عبر الفيس بوك عندما كان يبدأ منشوراته بجملة (يصبحكم ويربحكم وبين العباد ما يفضحكم) ثم يعقبها بأحد الأمثال الشعبية المصرية التي تعبر بصدق عن الحال، قبل أن يشرحها أو يشرح مناسبة قولها، وهو المشروع التي تمنيت عليه أن يقوم بجمعه، أو نقوم بجمعه عنه، في كتاب يتوجه للشباب وتجمع فيه هذه الأمثال بتعليقاته، لكن الزمن لم يمهلنا.

فقد دخل في رحلة مرضه إلى أن اختار لقاء ربه في العشرين من يوليو عام 2022، حيث تمر علينا هذا الشهر ذكراه الأولى، لعلنا نكون من أولاد الأصول الذين طالما تغنى بوجودهم في مصر، ونتذكر ذلك الرجل الذي كان على مدار حياته الزاخرة لا يضع نصب عينه إلا مصر وتراثها، الذي اعتبره جذرا يثبت أبناءها في أرضهم، ويسقيهم ماءها، ليظلوا مصريين (أولاد أصول).










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة