دراسة تشيد بقرار الرئيس السيسي بتطوير الهيئات الاقتصادية.. تؤكد: تثقل الموازنة ويجب ترشيد النفقات وتعزيز مواردها.. توصى بدراسة اقتصاديات التشغيل للقضاء على الإسراف وضم الصناديق الخاصة مستقبلا للموازنة العامة

الأربعاء، 15 مايو 2024 11:00 ص
دراسة تشيد بقرار الرئيس السيسي بتطوير الهيئات الاقتصادية.. تؤكد: تثقل الموازنة ويجب ترشيد النفقات وتعزيز مواردها.. توصى بدراسة اقتصاديات التشغيل للقضاء على الإسراف وضم الصناديق الخاصة مستقبلا للموازنة العامة الدكتور محمد معيط - وزير المالية
كتب محمد عبد الرازق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أشادت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية بتكليف الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الدكتور محمد معيط وزير المالية بتنفيذ توصيات الرئيس عبد الفتاح السيسي بإجراء تطوير شامل للهيئات الاقتصادية.

وأشارت الدراسة، إلى أن إجراء تطوير شامل للهيئات الاقتصادية بما فى ذلك التطوير الإدارى والمالى، والاستغلال الأمثل للأصول المملوكة لها وترشيد النفقات وتعزيز مواردها الذاتية، مسألة محورية وضرورية للاقتصاد المصرى فى الوقت الحالى، الذى تتصاعد فيه أهمية توسيع الحيز المالى الذى يُمكّن الدولة من تمويل الإنفاق العام الاجتماعى على مجالات التنمية البشرية كالصحة والتعليم.

وأكدت الدراسة، أن الهيئات الاقتصادية تشكل ثقلًا كبيرًا فى الاقتصاد القومى، حيث تشير الإحصاءات إلى أن إجمالى مصروفات وتكاليف الهيئات الاقتصادية فى موازنة العام المالى 2022/2023 قد بلغ 1643 مليار جنيه، بينما بلغ إجمالى المصروفات العامة (دون الاستثمارات) فى موازنة العام نفسه 1694 مليار جنيه أى أنها تشكل 97% من الموازنة. وقد اتسع نطاق هذه الهيئات منذ نشأتها وحتى الآن فارتفع عددها إلى 59 هيئة فى عام 2023.

واستطردت الدراسة، كما أصبحت الموازنه تضم العديد من الهيئات التى رُؤى إخراجها من الموازنة العامة لإعطائها المرونة فى الحركة، ويتسع نشاطها ليغطى معظم مجالات الحياة الاقتصادية، بل وأصبحت إحدى الدعامات الأساسية للاقتصاد القومى نتيجة لما تقوم به من أنشطة واستطاعت إيجاد قاعدة اقتصادية ضخمة ساعدت فى تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. وهو ما يوضح مدى الثقل الذى تتمتع به فى الاقتصاد القومي. من هذا المنطلق فإن إجراءات الإصلاح المنشودة سوف تسهم كثيرًا فى مساعدتها على تأدية رسالتها التنموية.

وأردفت الدراسة، أن من المعروف أن الهيئات الاقتصادية هى صيغة من الصيغ القانونية لكيانات اقتصادية كان يتعين أن تستقل بالكامل عن الموازنة العامة للدولة وتعمل وفقًا لأسس اقتصادية، وفقًا للقانون رقم 11 لسنة 1979، والذى تم بمقتضاه فصل موازنة هذه الهيئات عن الموازنة العامة للدولة على أن تعد موازنات مستقلة تعتمد من مجلس النواب، بحيث تقتصر العلاقة فيما بينهما على الفائض الذى يئول للخزانة العامة من بعض هذه الهيئات أو توفير ما يتقرر إليها من دعم ومساهمات والتزامات.

وتشير (المادة 3) من قانون المالية العامة الموحد رقم 6 لسنة 2022 إلى أن هذه الهيئات تقدم موازناتها إلى مجلس النواب لاعتمادها، كما أشارت المادة 23 إلى ضرورة عرض هذه الموازنات قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها. وتصدر بقوانين. لهذا أوجب القانون أيضًا (مادة 67) ضرورة عرض الحسابات الختامية على مجلس النواب لمناقشتها واعتمادها، وبالتالى فهى تخضع للرقابة قبل وبعد الصرف، على عكس ما يتصوره البعض. وبالتالى تعتبر هذه الهيئات وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادى والإدارى باعتبارها ذات طابع اقتصادى وفقًا للقوانين المنظمة لها. وبمعنى آخر فإن العلاقة بين هذه الهيئات أصبحت بمثابة علاقة ملكية تتركز فى نتائج الأعمال وعلاقة تمويلية تتركز فى المساهمة والإقراض.

وكان من المفترض -وفقا للدراسة- أن تحقق هذه الهيئات الهدف من استقلالها وأن تدار على أسس اقتصادية وتجارية تمكنها من تحقيق فوائض مالية أو على الأقل تسهم فى تمويل نفسها ذاتيًا. وكان من المفترض أن تحقق هذه الهيئات التوازن الاقتصادى والمالى بحيث تغطى نفقاتها من مواردها الذاتية وبالتالى تخفف العبء عن الموازنة العامة للدولة وهو ما لم يتحقق على الإطلاق، إذ ظلت هذه الهيئات تمثل نزيفًا مستمرًا من موارد الدولة وتحقق خسائر متراكمة عبر السنوات، فارتفع صافى العلاقة بينها وبين الموازنة العامة إلى سالب 170 مليار جنيه فى موازنة 2022/2023 حيث بلغ ما أتاحته الموازنة من دعم وإعانات ومساهمات 354.6 مليار جنيه، بينما بلغ ما آل إليها من فوائض وضرائب داخلية وإتاوات ورسوم 184.9 مليار مع ملاحظة أن 82.5% مما يئول للخزانة يأتى من هيئتى قناة السويس والبترول، بل والأخطر من ذلك تراجع صافى حقوق الملكية (وهو يمثل رأس المال المملوك ومساهمة الحكومة والاحتياطات والفائض المرحل مطروحًا منها الخسائر المرحلة) فى هذه الهيئات بصفة مستمرة، حيث تعانى الهيئات الاقتصادية العديد من المشكلات المهمة التى أثرت فى أوضاعها المالية ويرجع السبب فى ذلك إلى الآتي:

وأكملت الدراسة، أن اختلالات فى اقتصاديات تشغيلها ومراكزها المالية -الهيئات وهو ما يتمثل فى اختلال التوازن بين التكاليف والأسعار وقصور الموارد عن تغطية الاستخدامات؛ مما يؤدى إلى ازدياد العجز المرحل سنويًا، فضلًا عن تآكل الأصول الحقيقية لهذه الهيئات نتيجة لما تتحمله من فروق أسعار لخدماتها بين أسعار البيع وتكاليف الإنتاج الفعلية، وتنفيذ حجم كبير من الاستثمارات دون أن يقابله موارد ذاتية مناسبة وهو ما يؤدى أما إلى التأخر فى تنفيذ المشروعات لسنوات طويلة مما يؤدى إلى المزيد من الطاقات العاطلة وهدر الموارد ناهيك عن حرمانها من العائد الذى ستدره هذه الاستثمارات. أو يدفعها للاقتراض من بنك الاستثمار القومى والذى يقترض بدوره من الأوعية الادخارية فى المجتمع؛ مما ينعكس بالضرورة على الدين العام وزيادته سنة بعد أخرى. رغم ما تملكه من ممتلكات مجمدة فى شكل أراض وأصول ومخزون راكد وهذه الممتلكات غير محصورة وغير موثقة وبالتالى فإن التصرف فيها محدود.

واستكمالا لما سبق فأن غلبة الطابع الخدمى وليس الاقتصادى على عدد من تلك الهيئات، أى أنها لا تولد تدفقًا نقديًا يغطى أعباء الاقتراض والتمويل، وهو ما ينعكس على التزامات الدولة قبل الدائنين لهذه الهيئات. إذ أن الخزانة العامة مطالبة بسداد أى عجز فى سداد مديونياتها أما فى شكل خسائر مرحلة أو فى شكل عدم قدرة على سداد الديون. ويصبح التساؤل كيف يمكن التصدى لهذه المشكلات.

جدير بالذكر أنه فى إطار محاولات الإصلاح السابقة فقد صدرت عدة قرارات بالموافقة على تعلية القروض التى حصلت عليها الهيئات الاقتصادية إلى رءوس أموال تلك الهيئات، مع إعفائها من سداد الأقساط والفوائد، وذلك فى إطار الرغبة لإعادة التوازن المالى إليها. وقد أدى هذا القرار إلى تضخم رءوس أموال هذه الهيئات بما لا يتناسب مع نشاطها كما أن هذه الزيادات فى رأس المال لا تقابلها أصول حقيقية، بل أن جزءًا منها يمثل ما حصلت عليه من إعانات لسد العجز، بل وصدرت عدة قرارات أخرى بإسقاط جزء من القروض المستحقة على بعضها مثل السكك الحديدية والهيئة الوطنية للإعلام.

ورغم هذه الإجراءات إلا أنها لم تحقق تقدمًا يذكر فى هذا الشأن، هذا فضلًا عن أنه لا توجد قواعد موحدة لتوزيع فائض العمليات الجارية إذ توجد 12 هيئة تقضى التشريعات المنظمة لها بأن يرحل صافى الربح الذى تحققه إلى السنة المالية التالية، و7 هيئات تقضى التشريعات بأن يتم الاتفاق بين وزير المالية والوزير المختص على طريقة التصرف فى الفائض ونسبة ما يئول للخزانة، وهيئتان يسمح لهما بتدعيم احتياطاتهما بجزء من صافى الربح على أن يئول الباقى للخزانة العامة (وهما البترول وقناة السويس)، بالإضافة إلى بنك ناصر الاجتماعى الذى يسمح له بتدعيم احتياطياتها بكامل قيمة صافى الربح، ولا يوجد سوى 11 هيئة يئول صافى الربح بالكامل إلى الخزانة العامة.
 
وأخرجت الدراسة عدد من التوصيات لوضع الأطر الملائمة للعمل على تلافى مظاهر الخلل والمشكلات التى تعانيها الهيئات الاقتصادية، أو على الأقل الحد من آثارها السلبية فى المالية العامة للدولة ووضع برنامج متكامل للخروج من المأزق الراهن.

فأولا يجب -طبقا للدراسة - إعادة النظر فى تبويب هذه الهيئات إلى مجموعات متجانسة واتباع سياسات اقتصادية محددة تحقق الهدف من استقلالها، على أن تقوم بإنتاج السلع والخدمات على أسس اقتصادية تمكنها من تحقيق فائض مالي. ومن الضرورى العمل على أن تقوم الهيئات التى تبيع إنتاجها بأسعار اجتماعية بالعمل على الوصول بالأسعار إلى السعر الاقتصادى تدريجيًا وخلال فترة زمنية محددة.


بالإضافة إلى أن هناك هيئات يغلب عليها الطابع الاقتصادى وإطارها القانونى يؤهلها للعمل كوحدة اقتصادية يمكن أن تتحول إلى شركات قابضة مما يمكنها من إعادة هيكلة أصولها وخصومها وتصحيح الأوضاع المالية لها.


وأوصت الدراسة أنه يجب دراسة اقتصاديات التشغيل بما يقضى على أوجه الإسراف ومراجعة نظم التشغيل وقوائم التكاليف لترشيد وضبط الإنفاق وتفعيله خاصة للهيئات ذات الطابع الخدمي. مع تعميق المحاسبة عن الأداء على مستوى مراكز المسئولية.

والاهتمام بالصيانة واستغلال الطاقات العاطلة مع التخلص من الأنشطة غير الاقتصادية، مع الاهتمام بالصيانة الدورية لتحجيم الأعطال ولتأمين نظم التشغيل، وتعميق دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروعات الاستثمارية ومداومة متابعة اقتصاداتها تأمينًا لاستيراد التكلفة. حيث تظهر الميزانيات المجمعة لهذه الهيئات استثمارات مالية ضخمة للغاية، ولكنها لا تنعكس بالإيجاب على الأوضاع المالية لهذه الهيئات، أما لأنها لا تحصل منها على أى عائد أو أنها تدر عائدًا منخفضًا لا يتناسب مع الأموال المستثمرة فيها، أو يقل عن سعر الفائدة التى تتحملها بعض هذه الهيئات لتمويل تلك الاستثمارات. بل وأصبحت بعض هذه الاستثمارات تشكل عبئًا على تلك الهيئات لأنها تحقق خسائر متتالية سنويًا أو تتعرض قيمتها السوقية للانخفاض فى البورصة مثل هيئة الأوقاف والمجتمعات العمرانية.

وتوحيد المعاملة فى استخدام الفوائض بمراعاة القواعد المحاسبية فى احتجاز الاحتياطيات اللازمة للوفاء بأقساط القروض أو لتدعيم مراكزها المالية.
اما بالنسبة للهيئات التى تسفر نتائج أعمالها باستمرار عن عجز جارٍ فإن الأمر يقتضى إجراء الدراسات الجادة والموضوعية لكل هيئة على حدة لدراسة أسباب العجز، ووضع الحلول المناسبة لمساعدة تلك الهيئات على استعادة توازنها المالي.

وعلى المدى الطويل يجب ضرورة ضم كل من الهيئات الاقتصادية والصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة، باستثناء الجهات ذات الطبيعة الخاصة مثل الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية وهيئة البريد نظرًا لطبيعتهما.

تحويل هيئتى البترول وقناة السويس إلى شركات قابضة نوعية، مثلها مثل مصر للطيران وذلك بعد أن فقدت مبررات الاستقلال وينطبق الوضع نفسه على الصناديق الخاصة، إذ يمكن ضمها أيضًا إلى الموازنة باستثناء حسابات المشروعات البحثية والمشروعات الممولة من المنح والاتفاقيات الدولية فضلًا عن حسابات الإدارات الصحية والمستشفيات وصناديق تحسين الخدمة الصحية ومشروعات الإسكان الاقتصادي.

وبمقتضى هذا الاقتراح تكون الموازنة معبرة وبحق عن الوضع المالى للدولة ويُزال اللغط السنوى حول الالتزام بالدستور فيما يتعلق بالإنفاق على مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمى، على الرغم من صدور قانون المالية الموحد رقم 6 لسنة 2022 والذى أعاد تعريف الإنفاق الحكومى، فعلى سبيل المثال فإن التقسيم الوظيفى للموازنة يقتصر فقط على بنود الإنفاق داخل الموازنة العامة ولا يتضمن الهيئات الاقتصادية العاملة فى هذا المجال، وهى (الهيئة العامة للتأمين الصحى والمؤسسة العلاجية والتأمين الصحى الشامل والشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي) وغيرها من الجهات التى تعد من الإنفاق العام وليس الإنفاق الحكومى وهو الأساس عند تقييم دور الدولة فى الإنفاق على الجوانب الاجتماعية المختلفة.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة